قاعدة
التسامح في أدلة السنن المعنى:
معنى
القاعدة هو إعمال المسامحة والمساهلة بالنسبة إلى سند الروايات الدالة على الحكم
الاستحبابي، فكل رواية أفادت حكما مستحبا إذا كان في سندها خلل لا تترك تلك
الرواية ولا تسقط عن الأعتبار، وذلك لا لأجل كونها حجة معتبرة بل على أساس التسامح
في أدلة السنن الثابت بالدليل الخاص. المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة
بما يلي: 1 - الروايات: وهي الواردة في باب مقدمة العبادات، منها صحيحة صفوان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (من بلغه شئ من الثواب على شئ من الخير فعمل به كان
له أجر ذلك، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله) (1). دلت على أنه إذا
ورد في الخبر حكم ذو ثواب (المستحب) فعمل به إطاعة وانقيادا يترتب على ذلك العمل
الأجر والثواب، ولو لم يكن الخبر صادرا من أهله بحسب الواقع. ومنها صحيحة هشام بن
سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان
له وإن لم يكن على ما بلغه) (2). دلت على أن من بلغ (1) الوسائل: ج 1 ص 59 باب 18
من أبواب مقدمة العبادات ح 1. (2) الوسائل: ج 1 ص 60 باب 18 من أبواب مقدمة
العبادت ح 6.
إليه
عمل ذو ثواب (المستحب) فعمل به كان للعامل الأجر والثواب وإن لم يكن ذلك العمل ذا
أجر بحسب الواقع. ومنها: ما روي عن الصدوق عن محمد بن يعقوب، بطرقه إلى الأئمة
عليهم السلام (أ كما نقل إليه) (1). فهذه الروايات سميت بأخبار (من بلغ) فإن
مفادها هو بيان الحكم بالنسبة إلى العمل المستحب الذي يعمل به بمقتضى الأخبار
الضعيفة إطاعة ولا يكون مفاد هذه الأخبار حجية الخبر الضعيف سندا حتى يشكل عليه،
بل يكون الخبر الضعيف موضوعا لأخبار من بلغ. ولا يخفى أن قاعدة التسامح مشهورة بين
الفقهاء ولكن لا تخلو من الخلاف. كما قال سيدنا الاستاذ: إن قاعدة التسامح في أدلة
السنن مما لا أساس لها (2). وذلك، لعدم دلالة الأخبار عليها، بل تدل على تفضل
الباري وترحمه على العباد. 2 - رجاء المطلوبية: من المعلوم أن كل أمر يرجى له
الثواب إذا اتى به لا بقصد أنه وارد من قبل المعصوم عليه السلام بل برجاء
المطلوبية والمحبوبية لا إشكال فيه قطعا، وعليه يمكن أن يقال: إن العمل المستحب
المستفاد من الخبر الضعيف إذا وقع رجاء لا مانع منه، إلا أن يقال: إن رجاء
المطلوبية لا يثبت الاستحباب الشرعي، ولكن يمكن أن يقال: إن العمل المستفاد من
الخبر الضعيف يكون موضوعا للرجاء فلا مجال لرجاء الواقع ابتداء بدون الخبر الضعيف
في البين كما هو واضح. والتحقيق: أن غاية ما يستفاد من الأخبار هو أن مدلول الخبر
الضعيف عمل صالح يرجى له الثواب وهو أعم من العمل المستحب الشرعي. وتظهر الثمرة في
النذر فإذا تعلق النذر بإتيان المستحب الشرعي لا تحصل البراءة بالعمل على ما هو
مدلول الخبر الضعيف، لعدم كونه مستحبا شرعيا.
(1) الوسائل: ج 1 ص 61 باب 18
من أبواب مقدمة العبادات ح 8 (2) مصباح الاصول: ج 2 ص 320.
فرعان
الأول: هل تدل هذه الأخبار على كراهة ما دل الخبر الضعيف على كراهته أم لا؟ الظاهر
عدم دلالتها، لأن ظاهر هذه الأخبار ترتب الأجر والثواب على العمل بمدلول الخبر
الضعيف رجاء للثواب، والعمل ظاهر في الأمر الوجودي الذي ينطبق مع العمل المستحب.
والتحقيق: أن مقتضى الأخبار هو السعي في سبيل إطاعة المولى، لحصول الانقياد وذلك
لا يختص بالعمل (المستحب المحتمل) بل يشمل الترك (الكراهة المحتملة) أيضا بنفس المناط.
وها هو الموافق لما يقول به الفقهاء الكبار كما قال المحقق صاحب الجواهر رحمه الله
بالنسبة الى كراهة البول في الماء الجاري على أساس دليل لم يتم حجيته: ولولا
التسامح في دليل الكراهة كان للنظر في إثباتها - هناك - مجال (1) وهذا هو المشهور
بين الأصحاب. كما قال السيد صاحب العناوين رحمه الله: إشتهر في كلمة الأصحاب -
سيما المتأخرين منهم - التسامح في دليل المستحبات والمكروهات، ويتفرع على هذه
القاعدة كثير من الاحكام الشرعية، في أبواب الفقه، إذا غلب المندوبات والمكروهات
ليس له دليل قوي، مع أن الفقهاء يفتون به (2). الثاني: قال المحقق صاحب الجواهر
رحمه الله بالنسبة الى كتابة أسماء الأئمة عليهم السلام على الكفن: لامانع من
فعله، بل ربما قيل أنه راجح ومستحب عارضا للقطع العقلي برجحانية ما يفعله العبد،
لاحتمال حصول رضا سيده وطلبه لذلك، وعليه بني التسامح في أدلة السنن (3).
(1) جواهر الكلام: ج 3 ص 100.
(2) العناوين: ج 1 ص 420. (3) جواهر الكلام: ج 4 ص 224.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق