قاعدة
إصالة الفساد في المعاملات المعنى:
معنى
القاعدة عبارة عن أن الأصل عند الشك في صحة المعاملة - من جهة الشك في تحقق الشرط
مثلا - هو عدم ترتب الاثر (الفساد) كما قال المحقق صاحب الكفاية رحمه الله: لو شك
في اعتبار شئ فيها (المعاملات) عرفا، فلا مجال للتمسك باطلاقها في عدم اعتباره، بل
لا بد من إعتباره، لاصالة عدم الأثر بدونه (1). المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار
القاعدة بما يلي: 1 - قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
تجارة عن تراض (2) يمكننا إستفادة المطلوب من هذه الاية، وذلك لأن هذه الاية تتركب
من جزءين: أ - النهي (لا تأكلوا) بشكل عام عن مختلف المبادلات المالية. ب -
التجويز الخاص (تجارة عن تراض) على نهج الاستثناء من القانون العام، فعلى اساس
المنهج المقرر في العام والخاص، كلما تواجد الخاص بتمامه وكماله كان هو المستثنى
من نطاق العام. وأما إذا شك في تحققه كان الحاكم طبعا هو
(1) كفاية الاصول: ج 1 ص 50.
(2) النساء: 29.
عموم
العام، وفي ضوء هذا البيان يستبين لنا أن القانون الكلي هناك (في الاية) هو بطلان
المبادلات، وها هي إصالة الفساد، وأما المستثنى من ذلك الكلي (القاعدة) إنما هو
التجارة الواجدة للشرائط الشرعية والعرفية، منضمة الى الرضا فإذا شك في تحقق شرط
من الشرائط (كما إذا تحقق الرضا بعد تحقق التجارة) إذا كان الحاكم عموم البطلان أي
إصالة الفساد. ولا مجال هناك - عند الشك في الشرطية - للتمسك بعموم: أوفوا بالعقود
(1)، وذلك لأن هذه الاية تدل على وجوب الوفاء بمقتضى العقود، وبالتالي تفيد اللزوم
ولا تكون في جهة بيان الصحة حتى يتمسك بها عند الشك. وأما التمسك بعموم أحل الله
البيع (2). فلا بأس به، لأن هذه الاية تفيد الصحة بالنسبة الى جميع أفراد البيع
فكلما شك في شرطية شئ في البيع شرعا يتمسك بعموم الحلية ويحكم بالصحة، إلا أن
نطاقها إنما هو الشك في شرطية شئ شرعا، وأما الشك في شرطية شئ عرفا فلا مجال
للتمسك بعموم الحلية عندئذ، وذلك لأن للشرائط العرفية دور مبدئي في الموضوع، فالشك
فيها شك في تحقق الموضوع (الشبهة الموضوعية)، والعام لا يحقق موضوعه، والتمسك به
حينئذ تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. كما قال المحقق صاحب الكفاية رحمه الله:
يتمسكون بالاطلاق (في نفي الشرط المشكوك) في أبواب المعاملات مع ذهابهم الى كون
الفاظها موضوعة للصحيح، نعم لو شك في اعتبار شئ فيها عرفا فلا مجال للتمسك
باطلاقها في عدم اعتباره بل لا بد من اعتباره، لاصالة عدم الأثر بدونه (3). ويؤكد
ما ذكرناه إفادة سيدنا الاستاذ في محاولة هذا البحث قال: إن المعاملات بعناوينها
الخاصة، كالبيع والاجارة والنكاح والصلح وما شاكل ذلك قد
(1) المائدة: 1. (2) البقرة:
275. (3) كفاية الاصول: ج 1 ص 50.
أخذت
مفروضة الوجود في لسان أدلة الامضاء... فبطبيعة الحال تتوقف فعلية الامضاء الشرعي
على فعلية هذه المعاملات، وتحققها في الخارج فمرجع قوله تعالى: أحل الله البيع
مثلا إلى قولنا: إذا وجد شئ في الخارج وصدق عليه أنه بيع فهو ممضاء شرعا (1). 2 -
إصالة عدم ترتب الأثر: قال المحقق النائيني رحمه الله: الأصل في جميع موارد الشك
في صحة المعاملة يقتضي الفساد، لأصالة عدم ترتب الأثر على المعاملة الخارجية وبقاء
متعلقها على ما كان عليه قبل تحققها (2). والأمر كما أفاده. وقال سيدنا الاستاذ في
أن الأصل في المعاملات هو الفساد وفقا للشيخ الأنصاري رحمه الله: والوجه في ذلك،
أن نتائج العقود والايقاعات - من الملكية والزوجية والعتاق والفراق - امور حادثة،
ومسبوقة بالعدم، كما أن نفس العقود والايقاعات كذلك، فإذا شككنا في تحققها في
الخارج من ناحية بعض ما يعتبر فيها من الشروط كان الأصل عدمه وحينئذ فيحكم بفسادها
(3). والأمر كما أفاده. وقال المحقق صاحب الجواهر رحمه الله: فيكون كل من الجائز
والمحرم مشروطا بشرط، فمع فرض الشك يتجه الفساد، لأصالة عدم ترتب الأثر. وعدم
النقل والانتقال (4). وفي نهاية المطاف نتعرض التلخيص الذي أفاده الفاضل النراقي
رحمه الله، فقال: وملخص القاعدة، أن الأصل عدم ترتب الأثر إلا على ما علم ترتبه
عليه شرعا، ولا يعلم ذلك إلا بجعل الشارع، ولا يحصل جعله إلا بنحو قوله البيع
كذا... وأن علم معناه وعلم شرطا له أيضا كما أنه علم لزوم التنجيز، ولا يصح
التعليق فيحكم بتحقق هذه المعاملة بتحقق هذا مع ذلك الشرط، وإن لم يعلم له معنى
فيحكم بعدم ترتب الأثر كما هو مقتضى الأصل، إلا فيما علم تحقق المعاملة
(1) محاضرات: ج 5 ص 34. (2)
أجود التقريرات: ج 1 ص 393 و 394. (3) مصباح الفقاهة: ج 3 ص 7. (4) جواهر الكلام:
ج 23 ص 340.
يقينا
وهو محل الأجماع (1). 3 - التسالم: قد تحقق التسالم بين الفقهاء الأصوليين على
أصالة عدم ترتب الأثر عند الشك، كما تعرضنا لعدة آراء من الاعاظم، وتبين لنا أن
المدرك الوحيد للقاعدة عندهم هو اصالة عدم ترتب الأثر. فرعان الأول: قال الفاضل
النراقي: من لم يظهر ذلك الأجماع له (التسالم على إشتراط البيع بالصيغة الخاصة)
ولم يعثر على دليل آخر ايضا على الاشتراط يوسع في تحقق البيع بما يتحقق به لغة أو
عرفا، وإلى هذا ينظر من اكتفى بمطلق اللفظ أو بالمعاطاة أيضا، وهكذا غيره من
العقود، وبما ذكرنا يحصل المناط والقاعدة الكلية لاستنباط الحق، وإستخراج الحكم في
مقام الاختلاف (2). الثاني: قال سيدنا الاستاذ: إذا لم يبق البائع على الشرائط حين
قبول المشتري حكم بفساد العقد، إذ يرتفع التزام البائع بانتفاء شرائط الانشاء عنه،
ولا يتصل التزامه بالتزام المشتري، إلا في مثل النوم والغفلة، فانهما لا ينافيان
بقاء إلتزام البائع للسيرة (3).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق