قاعدة
الأسلام يجب ما قبله المعنى:
معنى القاعدة هو جب الأسلام خطايا من ارتكبها
قبله، أي أن الأسلام يسقط عن الناس ما ارتكبوه قبل تشرفهم بالأسلام امتنانا لهم،
فالكافر إذا ترك الواجبات وفعل المحرمات حال كفره ثم أسلم لم يكلف بقضاء الواجبات
ولم يؤاخذ بالمحرمات، وعليه لم يجر على الكافر بعد إسلامه حد السرقة والزنا وشرب
الخمر وغيرها، لأن الأسلام يجب ما قبله. وأما صحة المعاملات وثبوت الضمانات وبقاء
الديون فلا توجب إشكالا في مدلول القاعدة، لأن إبطال تلك الامور يكون على خلاف
الامتنان بل يكون امضاؤها مطابقا للامتنان وموافقا لجب الأسلام، كما لا يخفى.
وبعبارة اخرى كان نطاق الجب هو حق الله لا حق العبد. المدرك: يمكن الاستدلال على
اعتبار القاعدة بامور على ما يلي: 1 - الايات: منها قوله تعالى: قل للذين كفروا ان
ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (1). دلت بظاهرها على أن الكفار إن تركوا الكفر
(انتهوا) واسلموا يغفر الله لهم ما قد سلف منهم من الخطايا والمعاصي حال الكفر.
(1) الأنفال: 38.
ومنها
قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء إلا ما قد سلف (1). قد ورد الحكم
من الشرع على عدم جواز المناكحة مع منكوحة الاباء، ولازمه المؤاخذة على تلك
المناكحة، فالاستثناء بقوله: إلا ما قد سلف، يفيد رفع المؤاخذة عن ذلك العمل
امتنانا إذا كان (في السلف) قبل الأسلام، وهذا هو معنى القاعدة. ومنها قوله تعالى:
عفى الله عما سلف (2). دلت - بعد القاء الخصوصية عن المورد - على أن الأسلام يغفر
به ما سلف عن الكفار من المعاصي حال كفرهم. 2 - النبوي المشهور بين الفريقين:
ولفظه نفس القاعدة: (الاسلام يجب ما قبله) وقد ذكر هذا النبوي في عدة كتب وموارد
شتى مثل: مجمع البحرين وسيرة ابن هشام والسيرة الحلبية والطبقات الكبرى والبحار -
في ذكر قضايا أمير المؤمنين - وغيرها ولكن الحديث مرسل. ولا يرفع الأشكال الوارد
من ناحية الأرسال بواسطة الشهرة كما هو واضح. قال المحقق صاحب الجواهر: أن
(الاسلام يجب ما قبله) المنجبر سندا ودلالة بعمل الأصحاب، الموافق لقوله تعالى: قل
للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (3) والذي يسهل الخطب أن مضمون الحديث
موافق للكتاب، فلم نواجه الأشكال من ناحية السند. 3 - السيرة النبوية: من المعلوم
أن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله قد جرت على هذا الاسلوب (العفو عما سلف) ولم يكلف
النبي صلى الله عليه وآله أحدا من أصحابه على قضاء ما فات منه من العبادات، حال
الكفر، وما أمر صلى الله عليه وآله باقامة الحد على عمل ارتكبه الاصحاب قبل
الأسلام، ولا خلاف ولا اشكال في المسألة.
(1) النساء: 22. (2) المائدة:
95. (3) الجواهر: ج 15 ص 62.
فرعان
الأول: إن الزكاة هي سهم الفقراء فتكون من حقوق الناس، وعليه كانت الزكاة خارجة من
نطاق القاعدة، وذلك لما قلنا أن مورد القاعدة هو حق الله فقط ولكن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يأمر أحدا من المسلمين بايتاء الزكاة التي تركها حال الكفر، فإذا
يصبح الأمر مشكلا. التحقيق: أن المراد من حقوق الناس (حسب المتعارف) هي الحقوق
التي أسسها العقلاء وامضاها الشارع كالضمانات والديون، فهذه الحقوق لا تكون متعلق
العفو ومورد القاعدة، وأما حقوق الناس التي أسسها الشارع كالزكاة فكما يكون وضعها
بيد الشارع كذلك يكون رفعها بيد الشارع، وعليه تكون الزكاة داخلة في نطاق القاعدة.
كما قال المحقق صاحب الجواهر أن المستفاد من أقوال الفقهاء هو: سقوطها (الزكاة)
بالاسلام وإن كان النصاب موجودا، لأن الأسلام يجب ما قبله... بل يمكن القطع به،
بملاحظة معلومية عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأحد ممن تجدد إسلامه من أهل
البادية وغيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية (1). الثاني: قال المحقق الحلي رحمه
الله: الكافر وإن وجب عليه (الصوم) لكن لا يجب القضاء، إلا ما أدرك فجره مسلما.
ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك إستحبابا (2). قال المحقق صاحب الجواهر رحمه الله أن
الأمر يكون كذلك: لأن الاسلام يجب ما قبله، بناء على منافاة القضاء - وإن كان بفرض
جديد - لجب السابق، باعتبار كون المراد منه قطع ما تقدم، وتنزيله منزلة ما لم يقع
(3).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق