قاعدة
اقامة الحدود الى من إليه الحكم المعنى:
معنى
القاعدة هو أن تطبيق الحدود كالقتل وقطع اليد وضرب الجلد يكون في زمان الغيبة بيد
الحاكم الشرعي. قال سيدنا الاستاذ: يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود على
الاظهر (1). وهنا دعويان: (الاولى): جواز إقامة الحدود - الحكومة - في المجتمع
لغير الأمام. (الثانية): إختصاص الأقامة للفقيه - الحاكم الشرعي -. أما الاولى:
قال سيدنا الاستاذ: هذا (الجواز) هو المعروف والمشهور بين الأصحاب، بل لم ينقل فيه
خلاف إلا ما حكي عن ظاهري ابني زهرة وإدريس من إختصاص ذلك بالأمام أو بمن نصبه
لذلك وهو لم يثبت، ويظهر من المحقق في الشرائع والعلامة في بعض كتبه التوقف. ويدل
على ما ذكرناه أمران: (الأول) أن إقامة الحدود إنما شرعت للمصلحة العامة، ودفعا
للفساد وانتشار الفجور والطغيان بين الناس، وهذا ينافي إختصاصه بزمان دون زمان،
وليس
(1) تكملة المنهاج: ج 1 ص 224.
لحضور
الأمام عليه السلام دخل في ذلك قطعا، فالحكمة المقتضية لتشريع الحدود تقتضي
باقامتها في زمان الغيبة، كما تقتضي بها زمان الحضور. (الثاني): أن أدلة الحدود
كتابا وسنة مطلقة وغير مقيدة بزمان دون زمان، لقوله سبحانه الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (1). وقوله تعالى السارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما (2). وهذه الأدلة تدل على أنه لا بد من إقامة الحدود (3). والأمر كما
أفاده. وأما الثانية: أي اختصاص إقامة الحدود للحاكم الشرعي (الفقيه المجتهد) فهذا
هو مدلول القاعدة التي نحن بصدد إثباتها. المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار
القاعدة بما يلي. 1 - انتفاء الموضوع: إن موضوع الحاكمية هو (القدرة الفقهية) التي
تنبثق من التفقه والاجتهاد، وعند إنتفائها ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه، ومن
المعلوم أن تطبيق الحدود على مواردها وفهم مسائلها أمر خطير لا يتمكن منه غير
الفقيه والحاكم الشرعي، فليست إقامة الحدود مقدورة لغير من إليه الحكم. 2 - نقض
الغرض: إذا لم يكن الحد بيد الأهل ربما تحصل المفسدة بدلا عن المصلحة التي من
أجلها شرعت الحدود، وذلك لعدم إقامة الحدود في محلها فيلزم نقض الغرض. 3 - إختلال
النظام: قال سيدنا الاستاذ: ومن الضروري أن ذلك الحدود لم تشرع لكل فرد من أفراد
المسلمين فانه يوجب إختلال النظام، وأن لا يثبت حجر على حجر، بل يستفاد من عدة
روايات أنه لا يجوز إقامة الحد لكل أحد، منها صحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حد
(1) النور: 2. (2) المائدة:
38. (3) تكملة المنهاج: ج 1 ص 225.
الزنا:
إن الله جعل لكل شئ حدا، وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا (1) فإذا لا بد من الأخذ
بالقدر المتيقن، والمتيقن هو من إليه الأمر وهو الحاكم الشرعي، ويؤيد ذلك عدة
روايات، منها رواية إسحاق بن يعقوب (التوقيع المبارك)، ومنها رواية حفص بن غياث،
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام من يقيم الحدود؟ السلطان أو القاضي؟ فقال:
(إقامة الحدود إلى من إليه الحكم) (2). فإنها بضميمة ما دل على أن من إليه الحكم
في زمان الغيبة هم الفقهاء تدل على أن إقامة الحدود إليهم ووظيفتهم (3). وبهذه
الأدلة يثبت إعتبار القاعدة. بتمامه وكماله. فرعان الأول: قال الأمام الخميني رحمه
الله: يحرم القضاء بين الناس ولو في الأشياء الحقيرة إذا لم يكن من أهله، فلو لم
ير نفسه مجتهدا عادلا جامعا لشرائط الفتيا والحكم حرم عليه تصديه، وإن اعتقد الناس
أهليته، ويجب كفاية على أهله (4). الثاني: هل يجوز تصدي القضاء بين المسلمين
للمجتهد المتجزئ أم لا؟ قال المحقق صاحب الجواهر رحمه الله: ظاهر خبر أبي خديجة
الأكتفاء بتجزي الاجتهاد في الحكومة، لصدق معرفة شئ من قضائهم (5).
(1) الوسائل: ج 18 ص 310 باب
2 من أبواب مقدمات الحدود ح 1. (2) الوسائل: ج 18 ص 338 باب 28 من أبواب مقدمات
الحدود ح 1. (3) تكملة المنهاج: ج 1 ص 226. (4) تحرير الوسيلة: ج 2 ص 536. (5)
الجواهر: ج 40 ص 34.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق