قاعدة
التجاوز المعنى:
معنى القاعدة هو أنه إذا شك المكلف في تحقق جزء
من العبادات بعد تجاوز المحل فلا يعتنى بشكه ولا يترتب على الشك أي أثر، كما قال
سيدنا الاستاذ: ملاك قاعدة التجاوز هو الشك في وجود الشئ (لا في صحة الشئ مع إحراز
وجوده كما في قاعدة الفراغ والصحة) بعد التجاوز عن محله (1). وهذا هو المستفاد من
الأدلة، وعليه لا مجال لما قال المحقق النائيني رحمه الله: أن موضوع قاعدة التجاوز
هو الشك في جزء المركب بعد التجاوز عن محله والدخول في الجزء الاخر وموضوع قاعدة
الفراغ هو الشك في صحة المركب بعد الفراغ عنه فقال: تتعرض إحداهما لحال العمل بعد
الفراغ عنه والاخرى لحاله في الأثناء (2). والتحقيق: أنه لا فرق بينهما من هذه
الناحية أصلا بل الفرق إنما هو من ناحية الصحة والوجود، ففي قاعدة الفراغ يكون
متعلق الشك هو صحة العمل بعد إحراز أصل العمل، وفي قاعدة التجاوز يكون متعلق الشك
أصل العمل فيكون الشك في التحقق، أعم من أن يكون المشكوك هو جزء المركب أو نفس
المركب.
(1) مصباح الاصول: ج 3 ص 279.
(2) أجود التقريرات: ج 2 ص 465.
المدرك:
يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي: 1 - الروايات: وهي الواردة في باب
الصلاة، منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل شك في الأذان
وقد دخل في الأقامة وقد كبر، قال عليه السلام: (يمضي) قلت: رجل شك في الأذان
والأقامة وقد كبر، قال عليه السلام (يمضي) قلت: رجل شك في التكبير وقد قرأ، قال:
عليه السلام: (يمضي) قلت: شك في القراءة وقد ركع، قال عليه السلام: (يمضي) قلت: شك
في الركوع وقد سجد، قال: (يمضي على صلاته)، ثم قال: (يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم
دخلت في غيره فشكك ليس بشئ) (1). إن الأمام عليه السلام بعد تعرضه للصغريات في هذه
الصحيحة المباركة ذكر في ذيلها الكبرى (إذا خرجت... الخ) التي هي نفس مدلول
القاعدة فيكون الدلالة تامة. ومنها موثقة إسماعيل بن جابر قال: قال أبو جعفر عليه
السلام: (إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض،
كل شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه) (2). دلت على عدم اعتبار الشك
بعد التجاوز عن المحل. قال سيدنا الاستاذ: ومن المعلوم أن المراد من الخروج من
الشئ المشكوك فيه، المذكور في الصحيحة (المتقدمة) هو الخروج عن محله، إذ لا يصدق
الخروج عن الركوع مثلا مع فرض الشك في وجوده، فالمراد هو الشك في وجوده مع الخروج
عن محله، وكذا المراد من التجاوز عن الشئ المشكوك فيه، المذكور في الموثقة هو
التجاوز عن محله، فيكون مفادهما قاعدة التجاوز بمعنى عدم الاعتناء بالشك في شئ بعد
التجاوز عن محله (3).
(1) الوسائل: ج 5 ص 336 باب
23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (2) الوسائل: ج 4 ص 937 باب 13 من أبواب
الركوع ح 4. (3) مصباح الاصول: ج 3 ص 379.
2 - التسالم:
قد تحقق التسالم بين الفقهاء، على أنه لا اعتبار بالشك الذي يقع في جزء من
العبادات بعد التجاوز عن محل ذلك الجزء المشكوك وجوده فالأمر متسالم عليه والحكم
مفتى به عندهم. وهناك خصوصية اخرى لقاعدة التجاوز المستفاد من النص وهي بما يلي:
قال سيدنا الاستاذ: ثم إنه يعتبر في قاعدة التجاوز الدخول في الغير، لكونه مأخوذا
فيها في صحيحة زرارة وموثقة اسماعيل بن جابر المتقدمتين - إلى أن قال: - فاعتبار
الدخول في الغير في قاعدة التجاوز مما لا ينبغي الارتياب (1). فروع الأول: إذا شك
في الجزء الأخير كالشك في التشهد والتسليم بعد إتمام الصلاة مثلا فعندئذ، إذا كان
الشك مع عدم الاشتغال بشئ آخر أو سكوت طويل أو كان مع الاشتغال بأمر غير مرتب على
الجزء الأخير وغير مانع من تداركه فلا شك في عدم جريان القاعدتين، لعدم حصول
التجاوز عن المحل والفراغ عن العمل، وكذا إذا كان الشك بعد الاشتغال بأمر مرتب على
الجزء الأخير غير مانع من التدارك، كالشك في التسليم مع الاشتغال بالتعقيب، فلا
تجري قاعدة التجاوز، لعدم صدقها إلا إذا كان ترتب المحل على حسب الجعل الشرعي، ولا
يكون التسليم مقدما على التعقيب بحسب الجعل الشرعي، وكذا لا تجري قاعدة الفراغ،
لعدم إحراز الفراغ مع الشك في الجزء الأخير، وأما إذا شك في صحة الجزء الأخير بعد
الاتيان بالمنافي، كالشك في التسليم بعد الاستدبار فلا تجري قاعدة التجاوز، لعدم
ترتب المحل على حسب الجعل الشرعي، وأما قاعدة الفراغ فلا بأس بها، كما قال سيدنا
الاستاذ بعد نفي المجال عن قاعدة التجاوز في المقام: نعم تجري قاعدة الفراغ فإن
الصلاة قد مضت حقيقة وشك في صحتها وفسادها فيحكم
(1) مصباح الاصول: ج 3 ص 282.
بصحتها،
لقاعدة الفراغ (1). والأمر كما أفاده. الثاني: قال سيدنا الاستاذ: أن قاعدة التجاوز
ليست مختصة بباب الصلاة، بل تجري في كل مركب شك في أحد أجزائه بعد الدخول في الجزء
الاخر، إلا الوضوء للنص الخاص (2). الثالث: قال المحقق النائيني: ثم إن مقتضى ما
ذكرناه (جريان القاعدة عند الشك في تحقق جزء بعد الدخول في غيره من الأجزاء) جريان
القاعدة فيما إذا شك في الحمد وهو مشتغل بالسورة، فان الحمد والسورة جزآن مستقلان
في الاعتبار، لكن الظاهر من رواية زرارة المتقدمة هو اعتبار الدخول في الركوع، في
عدم الاعتناء بالشك في القراءة. ولا ريب أن المعتبر حينئذ في عدم الاعتناء هو
الدخول في الركوع، وفرض الشك في خصوص الحمد خارج عن مفروض السؤال، فيبقى داخلا في
عموم قوله عليه السلام (إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ) وهذا هو
الأقوى (3).
(1) مصباح الاصول: ج 3 ص 296.
(2) مصباح الاصول: ج 3 ص 296. (3) أجود التقريرات: ج 2 ص 475.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق